شريحة حاسوب TrueNorth تحاكي الإدراك البشري
تخيل أنك تعمل في مكتب ، حيث يتعين عليك بعد الانتهاء من مهمة واحدة الانتظار حتى ينهي جميع الموظفين في المكاتب الأخرى مهامهم قبل أن تنتقل إلى مهمتك التالية .
هكذا تعمل معظم الأجهزة الرقمية التي تعتمد على الدوائر المتزامنة . تتيح الساعات المدمجة نفس المدة الزمنية لإكمال كل دالة حسابية استنادآ إلى نظام ثنائي من الواحدات والأصفار يعد هذا النظام موثوقآ ، ولكنه يعني أيضآ أن النظام لا يعمل إلا بسرعة أبطأ دالة في السلسلة .
حيث قال "راجيت مانوهار" أستاذ الهندسة الكهربائية وعلوم الحاسوب في جامعة جون سي مالون :: " أن في التطبيقات المؤقتة يجب أن يتناسب كل شيء مع ميزانية زمنية ، لذلك ما لم تسرع كل شيء فلن تعمل رقاقتك بشكل أسرع - و كل شيء يشمل أشياء لا تحتاجها دائمآ " .
حتى قبل أن يصبح Siri و Google Home رفيقينا في المنزل ، كنا نميل إلى تشبيه أجهزة الكمبيوتر بالبشر و لطالما كان من الشائع أن يتحدث الناس عن أجهزة الكمبيوتر من منظور "التفكير" و أن ينسبوا إليها سمات مرتبطة بالدماغ و في الحقيقة لا تعمل أجهزة الكمبيوتر التقليدية كالأدمغة إطلاقآ و لكن علوم الحاسوب تقترب من ذلك .
ومن دلائل ذلك شريحة "TrueNorth" المعروفة ، وهي شريحة بمساحة 4 سنتيمترات مربعة (0.6 بوصة مربعة) تحتوي على حوالي 5.4 مليار ترانزستور ومليون "خلية عصبية" تتواصل عبر 256 مليون "مشبك عصبي". حيث بدأ "مانوهار" العمل على الشريحة أثناء عمله كعضو هيئة تدريس في جامعة كورنيل مع فريق من باحثي IBM في تعاون إستمر لسنوات و أسفر عن "TrueNorth" بتمويل من وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة (DARPA) ضمن برنامجها المعروف "أنظمة الإلكترونيات البلاستيكية التكيفية العصبية القابلة للتطوير" (SyNAPSE) ، حيث تعد شريحة "TrueNorth" مثالآ رائدآ على الرقاقة العصبية - وهي جيل جديد من الدوائر الحاسوبية المصممة على غرار الدماغ يبلغ حجمها حجم طابع بريدي، وقد تمثل بداية ثورة في كيفية صنع و إستخدام أجهزة الكمبيوتر .
كما إنضم "مانوهار" ، الذي بدأ دراسته في جامعة ييل في يناير إلى المشروع من خلال عمله على الأنظمة غير المتزامنة وهو أحد تخصصاته البحثية في الأجهزة المزودة بهذه الأنواع من الدوائر ، يمنح كل وظيفة وقتآ قصيرآ أو طويلآ حسب الحاجة لإنجاز مهمتها حيث قال :: "إن الأمر أشبه بسباق تتابع - تسلم عصا القيادة للشخص التالي عند وصولك" , و لزيادة التعقيد واستهلاك طاقة أقل بكثير ، تعمل جميع هذه الوظائف بشكل غير متزامن وبالتوازي - على غرار الطريقة التي يعتقد علماء الأعصاب أن الدماغ يعمل بها .
وقال "مانوهار" :: "من الواضح أنه لا توجد إشارة واحدة متزامنة بعناية تصل إلى كل خلية عصبية في دماغك ، لذا يبدو أن عدم التزامن هو طريقة طبيعية للتفكير في كيفية حدوث الحساب هناك" .
على الرغم من أن الأنظمة غير المتزامنة تعتبر غالبآ فرعآ جديدآ من فروع علم الحاسوب ، إلا أن جذورها تعود إلى أقدم إصدارات الحاسوب الحديث و يشير "مانوهار" إلى أنه حتى مخطط الحاسوب الحديث (جهاز "فون نيومان") من أربعينيات القرن الماضي يوضح مزايا الحوسبة غير المتزامنة صممت العديد من الأجهزة المبكرة بهذه الطريقة ولكن سرعان ما إزدادت بنية الحاسوب تعقيدآ و إشتملت على أسلاك أكثر بكثير وأصبح ضمان إرسال واستقبال الإشارة بشكل صحيح داخل الجهاز أكثر صعوبة وبرزت الحاجة إلى مُؤقت داخلي لضمان سير الأمور على النحو الصحيح، وأصبحت الدوائر المتزامنة هي القاعدة .
أيضآ ما اكتسبته الآلات من تنظيم، خسرته من سرعة خذ على سبيل المثال حاسوب هاتفك يعمل بسرعة 1 جيجاهرتز - مليار خطوة في الثانية - لذا يجب أن تنجز كل خطوة في نانوثانية واحدة , أيآ كان ما تحسبه ، يجب تقسيمه إلى فترات زمنية متساوية فإذا انتهت إحدى الخطوات مبكرآ ، فسيتعين عليك الإنتظار قد يؤدي ذلك إلى ضياع الكثير من الوقت .
كما قال :: " بصراحة، من النادر أن يكون لديك عملية حسابية تستغرق فيها جميع العمليات الفردية نفس القدر من الوقت فليست جميع العمليات الحسابية متساوية الصعوبة " .
فإذا استغرقت إحدى الخطوات وقتآ طويلآ جدآ يحدث خطأ , في هذه الحالة يجب تقسيم العملية إلى خطوات أصغر أو يجب أن يكون حجم الخطوة أكبر - وهذا يبطئ كل شيء آخر .
ومع ذلك ، لم يثر هذا الأمر قلقآ كبيرآ حتى ثمانينيات القرن الماضي عندما بدأت الرقائق تكبر وتزداد تعقيدآ ، وأصبحت الساعات المستخدمة لمواكبة قوة الحوسبة أكثر تكلفة - حيث تستهلك ما يصل إلى 20% من إستهلاك طاقة الرقاقة , لذلك بدأ الناس يبحثون في الدوائر غير المتزامنة مجددآ في أوائل الثمانينيات .
تعمل خلايا TrueNorth العصبية بالتوازي مع بعضها البعض حيث تقوم كل منها بما يلزم لإنجاز مهمة ما تتواصل هذه الخلايا عبر دفعات من التيار الكهربائي , تعرف باسم "النبضات" من أبرز ما يميز شريحة "TrueNorth" كفاءتها في إستهلاك الطاقة حيث يستهلك 70 ملي واط من الطاقة - أي ما يعادل طاقة سماعة أذن - ما يجعله استهلاكآ ضئيلآ مقارنة بأجهزة الكمبيوتر التقليدية التي تؤدي مهامآ مماثلة .
كما صرح "دارميندرا مودا" الباحث الرئيسي في مجموعة الحوسبة المعرفية في مركز أبحاث "IBM Almaden" والباحث الرئيسي في مشروع "DARPA SyNAPSE" بأنه عين الباحث "مانوهار" لأنه "رائد عالمي" في التكنولوجيا اللازمة للمشروع ولأنه طور " أدوات قوية ومثبتة " في الماضي .
و قال مودا :: "إن الخلايا العصبية في الدماغ تدار بالأحداث وتعمل دون أي ساعة مزامنة " وأضاف أيضآ :: أنه لتحقيق الأهداف الطموحة لبرنامج داربا سينابس كان من العناصر الأساسية تصميم وتنفيذ دوائر تدار بالأحداث حيث تكون الدوائر غير المتزامنة طبيعية " .
لقد منحنا علم الأعصاب فهمآ أفضل بكثير لما يحدث في الدماغ وقد ألهمت هذه المعلومات تصميم شريحة "ترو نورث" لكن من المبالغة وصف شربحة ترو نورث بأنها نسخة طبق الأصل من وظائف الدماغ ، فنحن ما زلنا لا نعرف بالضبط كيف يعمل الدماغ وهذا أحد الأمور التي تثير إعجاب مانوهار في عمله .
وقال أيضآ :: "الدماغ نظام غير متزامن لا نفهمه جيدآ ويمكنه القيام بأشياء معينة لا نعرف كيف نجعل أجهزة الكمبيوتر تقوم بها اليوم - وهذا أمر مثير للاهتمام" و هناك أيضا أدلة تشير إلى أن الدماغ يحتوي على "ركيزة حسابية غير متزامنة قوية للغاية" يمكنها أن تتعلم كيفية القيام بالعديد من التطبيقات المختلفة , ويمكنه تنفيذ هذه التطبيقات بكفاءة لا نعرف كيفية تحقيقها على الحاسوب وهذا مثير للاهتمام أيضآ .
تبدأ العديد من الجهود الأخرى في مجال الحوسبة العصبية بهدف فهم أفضل لكيفية عمل الدماغ أما مطورو شريحة "TrueNorth" فقد عالجوا مشروعهم من منظور مختلف كيف يمكن لعمليات الدماغ أن تحسن الحوسبة ؟؟؟ وهذا أيضآ يناسب إهتمامات الباحث "مانوهار" .
لسنا مهتمين بفهم علم الأحياء ، بل بفهم كيفية إجراء هذه الحسابات
ولاستكشاف التطبيقات العملية التي قد يقدمها فريق TrueNorth، طور فريق البحث تطبيقآ لإكتشاف وتصنيف الأجسام المتعددة واختبروه بتحديين ::---
الأول هو اكتشاف الأشخاص وراكبي الدراجات والسيارات والشاحنات والحافلات التي تظهر دوريآ في مقطع فيديو
الثاني هو تحديد كل جسم بدقة وقد أثبت TrueNorth كفاءته في كلا المهمتين
حتى لو لم تجسد هذه الشريحة سوى جزء ضئيل من تعقيد الدماغ البشري - فوفقآ لمصنعيها تتمتع هذه الشريحة بقوة دماغ نحلة طنانة - فإن ذلك يكفي لإنجاز بعض المهام الرائعة على سبيل المثال تتيح للمستخدمين تغيير القناة دون لمس التلفزيون أو جهاز التحكم عن بعد , كما أعلنت شركة سامسونج التي قيّمت شريحة "TrueNorth" أنها تطور نظاما يمكن مستخدمي التلفزيون من التحكم في أجهزتهم بمجرد الإيماءات كما ناقش مسؤولون في مختبر لوس ألاموس الوطني استخدامها في بعض حسابات الحوسبة الفائقة .
إن "مانوهار" هو أيضآ مؤسس شركة "Achronix Semiconductor" وهي شركة متخصصة في رقائق مصفوفات البوابات القابلة للبرمجة الميدانية غير المتزامنة (FPGA) عالية الأداء أدرجته مجلة "MIT Technology Review" ضمن قائمة "35 مبتكرآ تحت سن 35" لعمله في تصميم المعالجات الدقيقة منخفضة الطاقة. تشمل تخصصاته الأخرى الأنظمة المدمجة منخفضة الطاقة ، والأنظمة المتزامنة و الطرق الرسمية لتصميم الدوائر .
كما يقول "مانوهار" إنه دخل إلى علوم الحاسوب عن طريق الرياضيات .
" في مرحلة ما أردت إستخدام الرياضيات في مجال تطبيقي أكثر رأيت أن علوم الحاسوب مثيرة للإهتمام من منظور الرياضيات التطبيقية - فالعديد من التقنيات وبعض الأسس رياضية بحتة "
و إن الطبيعة غير المسبوقة لـشريحة "TrueNorth" إستلزمت استثمارآ هائلآ للموارد لم يكتفِ فريق البحث بإختراع الشريحة فقط بل إحتاجوا أيضآ إلى إبتكار الأدوات المستخدمة في بنائها نظرآ لعدم كفاية برامج التصميم بمساعدة الحاسوب (CAD) الحالية .
" من الأمور التي تمنع الناس من العمل على الدوائر غير المتزامنة نقص الأدوات اللازمة لتصميمها هناك قطاع ضخم ينفق مليارات الدولارات سنويآ على تحسين أدوات التصميم بمساعدة الحاسوب لكنها ليست مصممة خصيصآ للعمل الذي نقوم به على التصميم غير المتزامن لذلك علينا تصميم أدوات التصميم بمساعدة الحاسوب الخاصة بنا "
و منذ إطلاق شريحة "TrueNorth" إزداد عدد الباحثين العاملين على الدوائر غير المتزامنة بشكل ملحوظ إلا أن هذا المجتمع لا يزال صغيرآ , صمم برنامج التصميم بمساعدة الحاسوب (CAD) الذي إستخدمه فريق "مانوهار" خصيصآ لإستخدامه ولكن إذا تمكنوا من تعديله ليصبح أكثر شمولية يعتقد "مانوهار" أن هذا المجال سيشهد تطورآ ملحوظآ وستتطور التكنولوجيا بوتيرة أسرع .
كما صرح :: " أن أحد الأمور التي نرغب في تحقيقها هو توفير مجموعة كاملة من الأدوات التي يمكننا توفيرها كمصدر مفتوح و السماح للباحثين الآخرين بإستخدامها كثيرآ و ما أسمعه من العاملين في هذا المجال يقولون :: "أرغب في تجربة هذا لكنني لا أعرف كيف أبدأ و من أين لأنني لا أملك أدوات لازمة "
0 تعليقات